فصل: باب ما يجوز الاستئجار عليه من النفع المباح

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


الجزء السادس

 كتاب الوكالة

 باب ما يجوز التوكيل فيه من العقود وإيفاء الحقوق وأخراج الزكوات واقامة الحدود وغير ذلك

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

1 - قال أبو رافع‏:‏ ‏(‏استسلف النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بكرا فجاءت إبل الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره‏)‏‏.‏

2 - وقال ابن أبي أوفى‏:‏ ‏(‏أتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بصدقة مال أبي فقال اللّهم صل علي آل أبي أوفي‏)‏‏.‏

3 - وقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به كاملا موفرا طيبة به نفسه حتى يدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين‏)‏‏.‏

4 - وقال‏:‏ ‏(‏واغديا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها‏)‏‏.‏

5 - وقال علي عليه السلام‏:‏ ‏(‏أمرني النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن أقوم على بدنه وأقسم جلودها وجلالها‏)‏‏.‏

6 - وقال أبو هريرة‏:‏ ‏(‏وكلني النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في حفظ زكاة رمضان وأعطى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عقبة بن عامر غنما يقسمها بين أصحابه‏)‏‏.‏

هذه الأحاديث لم يذكر المصنف في هذا الموضع من خرجها‏.‏ وحديث أبي رافع قد تقدم في باب استقراض الحيوان من كتاب القرض وأورده ههنا للاستدلال به على جواز التوكيل في قضاء القرض‏.‏ وحديث ابن أبي أوفى تقدم في باب تفرقة الزكاة في بلدها من كتاب الزكاة وذكره المصنف ههنا للاستدلال به على جواز توكيل صاحب الصدقة من يوصلها إلى الامام‏.‏ وحديث الخازن ذكره المصنف في باب العاملين على الصدقة من كتاب الزكاة وسيذكر الأحاديث الواردة في تصرف المرأة في مال زوجها والعبد في مال سيده والخازن في مال من جعله خازنا في آخر كتاب الهبة والعطية‏.‏ وذكر حديث الخازن ههنا للاستدلال به على جواز التوكيل في الصدقة لقوله فيه ‏(‏الذي يعطي ما أمر به كاملا‏)‏ وقوله ‏(‏اغديا أنيس‏)‏ سيأتي في كتاب الحد ودوفيه دليل على أنه يجوز للامام توكيل من يقيم الحد على من وجب عليه‏.‏ وحديث علي عليه السلام تثدم في باب الصدقة بالجلود من أبواب الضحايا والهدايا وفيه دليل على جواز توكيل صاحب الهدى لرجل أن يقسم جلودها وجلالها‏.‏ وحديث أبي هريرة هو في صحيح البخاري وغيره وقد أورده في كتاب الوكالة وبوب عليه باب إذا وكل رجل رجلا فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل فهو جائز وان أقرضه إلى أجل مسمى جاز وذكر فيه مجيء السارق إلى أبي هريرة وأنه شكا إليه الحاجة فتركه يأخذ فكأنه أسلفه إلى أجل وهو وقت أخراج زكاة الفطر‏.‏ وحديث عقبة بن عامر تقدم في باب السن الذي يجزيء في الأضحية وفيه دليل على جواز التوكيل في قسمة الضحايا‏.‏

ـ وهذه الأحاديث ـ تدل على صحة الوكالة وهي بفتح الواو وقد تكسر التفويض والحفظ تقول وكلت فلانا إذا استحفظته ووكلت الأمر إليه بالتخفيف إذا فوضته إليه وهي في الشرع إقامة الشخص غيره مقام نفسه مطلقا وقد استدل على جواز الوكالة من القرآن بقوله تعالى ‏{‏فابعثوا أحدكم بورقكم‏}‏ وقوله تعالى ‏{‏اجعلني على خزائن الأرض‏}‏ وقد دل على جوازها أحاديث كثيرة منها ما ذكر المصنف في هذا الكتاب وقد أورد البخاري في كتاب الوكالة ستة وعشرين حديثا ستة معلقة والباقية موصولة‏.‏ وقد حكى صاحب البحر الإجماع على كونها مشروعة وفي كونها نيابة أو ولاية وجهان فقيل نيابة لتحريم المخالفة وقيل ولاية لجواز المخالفة إلى الأصلح كالبيع بمعجل وقد أمر بمؤجل‏.‏

7 - وعن سليمان بن يسار‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحرث وهو بالمدينة قبل أن يخرج‏)‏‏.‏

رواه مالك في الموطأ‏.‏ وهو دليل على أن تزوجه بها سبق احرامه وأنه خفي على ابن عباس‏.‏

8 - وعن جابر قال‏:‏ ‏(‏أردت الخروج إلى خيبر فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والدارقطني‏.‏

9 - وعن يعلى بن أمية عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا أتتك رسلي فاعطهم درعا وثلاثين بعيرا فقال له العارية مؤداة يا رسول اللّه قال نعم‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وقال فيه ‏(‏قلت يا رسول اللّه عارية مضمومة أو عارية مؤداة قال بل مؤداة‏)‏‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضا الشافعي وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وقد أعله ابن عبد البر بالإنقطاع بين سليمان بن يسار وأبي رافع لأنه لم يسمع منه وتعقب بأنه قد وقع التصريح بسماعه في تاريخ ابن أبي خيثمة نزول الأبطح ورجح ابن القطان اتصاله ورجح ان مولد سليمان سنة سبع وعشرين ووفاة أبي رافع سنة ست وثلاثين فيكون سنه عند موت أبي رافع ثمان سنين وقد تقدم الكلام على زواجه صلى اللّه عليه وآله وسلم بميمونة واختلاف الأحاديث في ذلك في كتاب الحج في باب ما جاء في نكاح المحرم وفيه دليل على جواز التوكيل في عقد النكاح من الزوج والحديث الثاني علق البخاري طرفا منه في الخمس وحسن الحافظ في التلخيص إسناده ولكنه من حديث محمد بن إسحاق قوله فإن ابتغى منك آية علامة‏.‏ قوله ترقوته بفتح المثناة من فوق وضم القاف وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان من الجانبين‏.‏

ـ وفي الحديث ـ دليل على صحة الوكالة وإن الامام له أن يوكل ويقيم عاملا على الصدقة في قبضها وفي دفعها إلى مستحقها وإلى من يرسله إليه بإمارة‏.‏ وفيه أيضا دليل على جواز العمل بالأمارة أي العلامة وقبول قول الرسول إذا عرف المرسل إليه صدقه وهل يجب الدفع إليه قيل لا يجب لأن الدفع إليه غير مبرئ لاحتمال أن ينكر الموكل أو المرسل إليه وبه قال الهادي واتباعه وقيل يجب مع التصديق بأمارة أو نحوها لكن له الامتناع من الدفع إليه حتى يشهد عليه بالقبض وبه قال أبو حنيفة ومحمد‏.‏

ـ وفي الحديث ـ أيضا دليل على استحباب اتخاذ علامة من الوكيل موكله لا يطلع عليها غيرهما ليعتمد الوكيل عليها في الدفع لأنها أسهل من الكتابة فقد لا يكون أحدهما ممن يحسنها ولان الخط يشتبه‏.‏

والحديث الثالث أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص‏.‏ وقال ابن حزم أنه أحسن ما ورد في هذا الباب وقد ورد في معناه أحاديث يأتي ذكرها في العارية عند الكلام على حديث صفوان إن شاء اللّه وفيه دليل على جواز التوكيل من المستعير لقبض العارية‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏العارية مؤداة‏)‏ سيأتي الكلام على هذا في العارية إن شاء اللّه تعالى‏.‏

 باب من وكل في شراء شيء فاشترى بالثمن أكثر منه وتصرف في الزيادة

1 - عن عروة بن أبي الجعد البارقي‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أعطاه دينارا ليشتري به له شاة فاشترى له به شاتين فباع أحدهما بدينار وجاءه بدينار وشاة فدعا له بالبركة في بيعه وكان لو اشترى التراب لربح فيه‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري وأبو داود‏.‏

2 - وعن حبيب بن أبي ثابت عن حكيم بن حزام‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بعثه ليشتري له أضحية بدينار فاشترى أضحية فاربح فيها دينارا فاشترى أخرى مكانها فجاء بالأضحية والدينار إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال ضح بالشاة وتصدق بالدينار‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وقال لانعرفه الا من هذا الوجه وحبيب بن أبي ثابت لم يسمع عندي من حكيم‏.‏ ولأبي داود نحوه من حديث أبي حصين عن شيخ من أهل المدينة عن حكيم‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضا الترمذي وابن ماجه والدارقطني‏.‏ وفي إسناد من عدا البخاري سعيد بن زيد أخو حماد وهو مختلف فيه عن أبي لبيد لمازة بن زبار‏.‏ وقد قيل أنه مجهول لكنه قال الحافظ أنه وثقه ابن سعد‏.‏ وقال حرب سمعت أحمد يثني عليه‏.‏ وقال في التقريب أنه ناصبي جلد‏.‏ قال المنذري والنووي إسناده صحيح لمجيئه من وجهين وقد رواه البخاري من طريق ابن عيينة عن شبيب بن غرقد سمعت الحي يحدثون عن عروة ورواه الشافعي عن ابن عيينة وقال إن صح قلت به‏.‏ ونقل المزني عنه أنه ليس بثابت عنده قال البيهقي إنما ضعفه لأن الحي غير معروفين وقال في موضع آخر هو مرسل لأن شبيب بن غرقد لم يسمعه من عروة وإنما سمعه من الحي وقال الرافعي هو مرسل قال الحافظ الصواب أنه متصل في إسناده منهم‏.‏ والحديث الثاني منقطع في الطريق الأولى لعد سماع حبيب من حكيم وفي الطريق الثانية في إسناده مجهول قال الخطابي إن الخبرين معا غير متصلين لأن في أحدهما وهو خبر حكيم رجلا مجهولا لا يدرى من هو وفي خبر عروة إن الحي حدثوه وما كان هذا سبيله من الرواية لم تقم به الحجة‏.‏ وقال البيهقي ضعف حديث حكيم من أجل هذا الشيخ‏.‏

ـ وفي الحديثين ـ دليل على أنه يجوز للوكيل إذا قال له المالك اشتري بهذا الدينار شاة ووصفها ان يشتري به شاتين بالصفة المذكورة لأن مقصود الموكل قد حصل وزاد الوكيل خيرا ومثل هذا لو أمره أن يبيع شاة بدرهم فباعها بدرهمين أو بان يشتريها بدرهم فاشتراها بنصف درهم وهو الصحيح عند الشافعية كما نقله النووي في زيادات الروضة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فباع أحدهما بدينار‏)‏ فيه دليل على صحة بيع الفضولي وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه والشافعي في القديم وقواه النووي في الروضة وهو مروي عن جماعة من السلف منهم علي عليه السلام وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وإليه ذهبت الهادوية وقال الشافعي في الجديد وأصحابه والناصر إن البيع الموقوف والشراء الموقوف باطلان للحديث المتقدم في البيع أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا تبع ماليس عندك‏)‏ وأجابوا عن حديثي الباب بما فيهما من المقال وعلى تقدير الصحة فيمكن أنه كان وكيلا بالبيع بقرينة فهمها منه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ وقال أبو حنيفة أنه يكون البيع الموقوف صحيحا دون الشراء والوجه أن الأخراج عن ملك المالك مفتقر إلى أذنه بخلاف الأدخال ويجاب بأن الأدخال للمبيع في الملك يستلزم الأخراج من الملك للثمن وروي عن مالك العكس من قول أبي حنيفة فإن صح فهو قوي لأن فيه جمعا بين الأحاديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاشترى أخرى مكانها‏)‏ فيه دليل على أن الأضحية لا تصير أضحية بمجرد الشراء وأنه يجوز البيع لا بدال مثل أو أفضل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتصدق بالدينار‏)‏ جعل جماعة من أهل العلم هذا أصلا فقالوا من وصل إليه مال من شبهة وهو لا يعرف له مستحقا فإن يتصدق به‏:‏ ووجه الشبهة ههنا أنه لم يأذن لعروة في بيع الأضحية ويحتمل أن يتصدق به لأنه قد خرج عنه للقربة للّه تعالى في الأضحية فكره أكل ثمنها‏.‏

 باب من وكل في التصديق بماله فدفعه إلى ولد الموكل

1 - عن معن بن يزيد قال ‏(‏كان أبي خرج بدنانير يتصدق لها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها‏.‏ فقال واللّه ما إياك أردت بها فخاصمه إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال لك مانويت ما نويت يا يزيد ولك يا معن ما أخذت‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عند رجل‏)‏ قال في الفتح لم أقف على اسمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتيته بها‏)‏ أي أتيت أبي بالدنانير المذكورة

قوله‏:‏ ‏(‏واللّه ما إياك أردت‏)‏ يعني لو أردت انك تأخذها لاعطيتك اياها من غير توكيل وكأنه كان يرى أن الصدقة على الولد لا تجزئ أو تجزيء ولكن الصدقة على الأجنبي أفضل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لك ما نويت‏)‏ أي أنك نويتت أن تتصدق بها على من يحتاج إليها وابنك محتاج فقد وقعت موقعها وإن كان لم يخطر ببالك أنه يأخذها ولابنك ما أخذ لأنه أخذها محتاجا إليها واستدل بالحديث على جواز دفع الصدقة إلى كل أصل وفرع ولو كان ممن تلزمه نفقته قال في الفتح ولا حجة فيه لأنها واقعة حال فاحتمل أن يكون معن كان مستقلا لا يلزم اباه نفقته والمراد بهذه الصدقة صدقة التطوّع لا صدقة الفرض فإنه قد وقع الإجماع على أنها لا تجزئ في الولد كما تقدم في الزكاة‏.‏ وفي الحديث جواز التوكيل في صرف الصدقة ولهذا الحكم ذكر المصنف هذا الحديث ههنا‏.‏

 كتاب المساقاة والمزارعة

1 - عن ابن عمر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏ وعنه أيضا ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لما ظهر على خيبر سألته اليهود أن يقرهم بها على أن يكفوه عملها ولهم نصف الثمرة فقال لهم نقركم بها على ذلك ما شئنا‏)‏ متفق عليه‏.‏ وهو حجة في أنها عقد جائز‏.‏ وللبخاري ‏(‏أعطى يهود خيبر أن يعملوها وبزرعوها وهم شطر ما يخرج منها‏)‏ ولمسلم وأبي داود والنسائي ‏(‏دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم ولرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم شطر ثمرها‏)‏ قلت وظاهر هذا أن البذر منهم وان تسمية نصيب العامل تغني عن تسمية نصيب رب المال ويكون الباقي له‏.‏

2 - وعن عمر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عامل يهود خيبر على أن نخرجهم متى شئنا‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري بمعناه‏.‏

3 - وعن ابن عباس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم دفع خيبر ارضها ونخلها مقاسمة على النصف‏)‏‏.‏

رواهأحمد وابن ماجه‏.‏

4 - وعن أبي هريرة قال ‏(‏قالت الأنصار للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اقسم بيننا وبين أخواننا النخل قال لا فقالوا تكفونا العمل ونشرككم في الثمرة فقالوا سمعنا وأطعنا‏)‏‏.‏

رواه البخاري

5- وعن طاوس أن معاذ بن جبل أكرى الأرض على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان على الثلث والربع فهو يعمل به إلى يومك هذا‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏ قال البخاري وقال قيس بن مسلم عن أبي جعفر قال ما بالمدينة أهل بيت الهجرة إلا يزرعون على الثلث والربع وزارع علي عيه السلام وسعد ابن مالك وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل علي وآل عمر‏.‏ قال وعامل عمر الناس على أن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا‏.‏

حديث ابن عباس رواه ابن ماجه من طريق إسماعيل بن توبة وهو صدوق وبقية رجاله رجال الصحيح‏.‏ وحديث معاذ رجال إسناده رجال الصحيح ولكن طاوس لم يسمع من معاذ وفيه نكارة لأن معاذ مات في خلافة عمر ولم يدرك أيام عثمان قوله‏:‏كتاب المساقاة والمزارعة المساقاة ما كان في النخل والكرم وجميع الشجر الذي يثمر بجزء معلوم من الثمرة للأجير وإليه ذهب الجمهور وخصها الشافعي في قوله الجديد بالنخل والكرم وخصها داود بالنخل وقال مالك لا تجوز في الزرع والشجر ولا تجوز في البقول عند الجمع‏.‏ وروى عن ابن دينار أنه أجازها فيها ـ والحاصل ـ أن من قال أنها واردة على خلاف القياس قصرها على مورد النص ومن قال أنها واردة على القياس الحق بالمنصوص غيره‏.‏ والمزارعة مفاعلة من الزراعة قال المطرزي‏.‏ وقال صاحب الإقليد من الزرع‏.‏ والمخابرة مشتقة من الخبير على وزن العليم وهو الإكار بهمزة مفتوحة وكاف مشددة وراء مهملة وهو الزارع والفلاح الحراث وإلى هذا الاشتقاق ذهب أبو عبيد والأكثرون من أهل اللغة والفقهاء‏.‏ وقال آخرون هي مشتقة من الخبار بفتح الخاء المعجمة وتخفيف الباء الموحدة وهي الأرض الرخوة وقيل من الخبر بضم الخاء وهو النصيب من سمك أو لحم وقال ابن الأعرابي هي مشتقة من خبير لأن أول هذه المعاملة فيها‏.‏ وفسر أصحاب الشافعي المخابرة بأنها العمل على الأرض ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل‏.‏ وقيل أن المساقاة والمزارعة والمخابرة بمعنى واحد وإلى ذلك يشير كلام الشافعي فإنه قال في الأم في باب المزرعة وإذا دفع رجل إلى رجل أرضا بيضاء على أن يزرعها المدفوع إليه ما خرج منها من شيء فله منه جزء من الأجزاء فهذه المحاقلة والمخابرة والمزارعة التي ينهى عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم اه‏.‏ وإلى نحو ذلك يشير كلام البخاري وهو وجه للشافعية‏.‏ وقال في القاموس المزارعة المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها ويكون البذر من مالكها‏.‏ وقال المخابرة أن يزرع على النصف ونحوه اه‏.‏ قوله ‏(‏بشطر ما يخرج‏)‏ فيه جواز المزارعة بالجزء المعلوم من نصف أو ربع أو ثمن أو نحوها والشطر هنا بمعنى النصف وقد يأتي بمعنى النحو والقصد‏.‏ ومنه قوله تعالى ‏{‏فول وجهك شطر المسجد الحرام‏}‏ أي نحوه قوله‏:‏ ‏(‏نقركم بها على ذلك ما شئنا‏)‏ المراد أنا نمكنكم من المقام إلى ان نشاء إخراجكم لأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان عازما على إخراجهم من جزيرة العرب كما أمر بذلك عند موته‏.‏ واستدل به على جواز المساقاة مدة مجهولة وبه قال أهل الظاهر وخالفهم الجمهور وتأولوا الحديث بأن المراد مدة العهد وأن لنا إخراجكم بعد إنقضائها ولا يخفى بعده‏.‏ وقيل أن ذلك كان في أول الأمر خاصة للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهذا يحتاج إلى دليل قوله‏:‏ ‏(‏ما بالمدينة أهل بيت هجرة‏)‏ الخ هذا الأثر أورده البخاري ووصله عبد الرزاق قوله‏:‏ ‏(‏وزارع علي عليه السلام‏)‏ الخ أما أثر علي عليه السلام فوصله ابن أبي شيبة وأما أثر عمر بن عبد العزيز فوصله ابن أبي شيبة أيضا‏.‏ وأما أثر القاسم وهو ابن محمد بن أبي بكر فوصله عبد الرزاق‏.‏ وأما أثر عروة وهو ابن الزبير فوصله ابن أبي شيبة‏.‏ وأما أثر آل أبي بكر وآل علي وآل عمر فوصله ابن أبي شيبة أيضا وعبد الرزاق‏.‏ وأما أثر عمر في معاملة الناس فوصله ابن أبي شيبة أيضا والبيهقي وقد ساق البخاري في صحيحه عن السلف غير هذه الآثار ولعله أراد بذكرها الإشارة إلى أن الصحابة لم ينقل عنهم الخلاف في الجواز خصوصا أهل المدينة‏.‏

وقد تمسك بالأحاديث المذكورة في الباب جماعة من السلف‏.‏ قال الحازمي روى عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه وعبد اللّه بن مسعود وعمار بن ياسر وسعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى وابن شهاب الزهري ومن أهل الرأي أبو يوسف القاضي ومحمد بن الحسن فقالوا تجوز المزارعة والمساقاة بجزء من الثمر أو الزرع قالوا ويجوز العقد على المزارعة والمساقاة مجتمعتين فتساقيه على النخل وتزارعه على الأرض كما جرى في خيبر ويجوز العقد على كل واحدة منهما منفردة وأجابوا عن الأحاديث القاضية بالنهي عن المزارعة بأنها محمولة على التنزيه وقيل أنها محمولة على ما إذا اشترط صاحب الأرض ناحية منها معينة‏.‏ وقال طاوس وطائفة قليلة لا يجوز كراء الأرض مطلقا لا بجزء من الثمر والطام ولا بذهب ولا بفضة ولا بغير ذلك وذهب إليه ابن حزم وقواه واحتج له بالأحاديث المطلقة في ذلك وستأتي وقال الشافعي وأبو حنيفة والعترة وكثيرون أنه يجوز كراء الأرض بكل ما يجوز أن يكون ثمنا في المبيعات من الذهب والفضة والعروض بالطعام سواء كان من جنس ما يزرع في الأرض أو غيره لا يجزء من الخارج منها وقد أطلق ابن المنذر أن الصحابة أجمعوا على جواز كراء الأرض بالذهب والفضة ونقل ابن بطال اتفاق فقهاء الأمصار عليه وتمسكوا بما سيأتي من النهي عن المزارعة بجزء من الخارج وأجابوا عن أحاديث الباب بأن خيبر فتحت عنوة فكان أهلها عبيدا له صلى اللّه عليه وآله وسلم فما أخذه من الخارج منها فهو له وما تركه فهو له وروى الحازمي هذا المذهب عن عبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن عباس ورافع بن خديج وأسيد بن حضير وأبي هريرة ونافع قال وإليه ذهب مالك والشافعي ومن الكوفيين أبو حنيفة اه‏.‏ وقال مالك أنه يجوز كراء الأرض بغير طعام والثمر لأبهما لئلا يصير من بيع الطعام بالطعام وحمل النهي على ذلك هكذا حكى عنه صاحب الفتح‏.‏ قال ابن المنذر ينبغي أن يحمل ما قاله مالك على ما إذا كان المكري به من الطعام جزأ مما يخرج منها فأما إذا اكتراها بطعام معلوم في ذمة المكتري أو بطعام حاضر يقضيه المالك فلا مانع من الجواز‏.‏ وقال أحمد بن حنبل يجوز إجارة الأرض بجزء من الخارج منها إذا كان البذر من رب الأرض حكى ذلك عن الحازمي وأعلم أنه قد وقع لجماعة ولا سيما من المتأخرين في نقل المذاهب في هذه المسألة حتى أفضي ذلك إلى أن بعضهم يروي عن العالم الواحد الأمرين المتناقضين وبعضهم يروي قولا لعالم آخر ويروي عنه نقيصة ولا جرم فالمسألة باعتيار اختلاف المذاهب فيها وتعيين راجحها من مرجوحها من المعضلات وقد جمعت فيها رسالة مستقلة وسيأتي تحقيق ما هو الحق وتفصيل بعض المذاهب والإشارة إلى حجة كل طائفة ودفعها‏.‏

 باب فساد العقد إذا شرط أحدهما لنفسه التبن أو بقعة بعينها ونحوه

1 - عن رافع بن خديج قال ‏(‏كنا أكثر الأنصار حقلا فكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك فأما الورق فلم ينهنا‏)‏‏.‏

أخرجاه‏.‏ وفي لفظ ‏(‏كنا أكثر أهل الأرض مزدرعا كنا نكري الأرض بالناحية منها تسمى لسيد الرض قال فربما يصاب ذلك وتسلم الأرض وربما تصاب الأرض ويسلم ذلك فنهينا فأما الذهب والورق فلم يكن يومئذ‏)‏ رواه البخاري‏.‏ وفي لفظ ‏(‏قال إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بما على الماذيانات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع فيهلك هذا ويسلم هذا ويسلم هذا ويهلك هذا ولم يكن للناس كرى إلا هذا فلذلك زجر عنه فأما لاشيء معلوم مضمون فلا بأس به‏)‏ رواه مسلم وأبو داود والنسائي‏.‏ وفي رواية عن رافع ‏(‏قال حدثني عمامي أنهما كانا يكريان الأرض على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بما ينبت على الأربعاء وبشيء يستثنيه صاحب الأرض قال فنهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن ذلك‏)‏ رواه أحمد والبخاري والنسائي‏.‏ وفي رواية عن رافع ‏(‏أن الناس كانوا يكرون المزارع في زمان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بالماذيانات وما يسقي الربيع وشيء من التبن فكره رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كرى المزارع بهذا ونهى عنها‏)‏ رواه أحمد‏.‏

قوله ‏(‏حقلا‏)‏ أي أهل مزارعة قال في القاموس المحاقل المزارع والمحاقلة بيع الزرع قبل بدو صلاحه أو بيعه في سنبله بالحنطة أو المزارعة بالثلث والربع أو أقل أو أكثر وإكراء الأرض بالحنطة اه قوله ‏(‏فنهانا عن ذلك‏)‏ أي عن كري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه‏.‏ فيصلح التمسك بهذا المذهب من قال أن النهي عنه إنما هو هذا النوع ونحوه من المزارعة‏.‏ وقد حكى في الفتح عن الجمهور أن النهي محمول على الوجه المفضي إلى الغرر والجهالة لا عن إكرائها مطلقا حتى بالذهب والفضة قال ثم اختلف الجمهور في جواز إكرائها بجزء مما يخرج منها فمن قال بالجواز حمل أحاديث النهي على التنزيه قال ومن لم يجز إجارتها بجزء مما يخرج قال النهي عن كرائها محمول علىما إذا اشترط صاحب الأرض ناحية منها أو شرط ما ينبت على النر لصاحب الأرض لما في كل ذلك من الغرر والجهالة اه قوله‏:‏ ‏(‏فأما الورق فلم ينهنا‏)‏ لا منافاة بين هذه الرواية وبين الرواية الثانية أعني قوله فأما الذهب والورق فلم يكن يومئذ لأن عدم النهي عن الورق لا يستلزم وجوده ولا وجود المعاملة به وفي رواية عن نافع عند البخاري أنه قال ليس بها بأس بالدينار والدرهم‏.‏ قال في الفتح يحتمل أن يكون رافع قال ذلك باجتهاده ويحتمل أن يكون علم ذلك بطريق التنصيص على جوازه أو علم أن النهي عن كري الأرض ليس على إطلاقه بل بما إذا كان بشيء مجهول ونحو ذلك فاستنبط من ذلك جواز الكري بالذهب والفضة ويرجح كونه مرفوعا بما أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح عنه قال ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن المحاقلة والمزابنة وقال إنما يزرع ثلاثة رجل له ارض ورجل منح أرضا ورجل اكترى أرضا بذهب أو فضة‏)‏ لكن بين النسائي كم وجه آخر أن المرفوع منه النهي عن المحاقلة والمزابنة وأن بقيته مدرج من كلام سعيد بن المسيب‏.‏ وقد أخرج أبو داود والنسائي ما هو أظهر في الدلالة على الرفع من هذا وهو حديث سعد بن أبي وقاص الآتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بما على الماذيانات‏)‏ بذال معجمة مكسورة ثم مثناة تحتية ثم ألف ثم نون ثم ألف ثم مثناة فوقية هذا هو المشهور‏.‏ وحكى القاضي عياض عن بعض الرواة فتح الذال في غير صحيح مسلم وهو ما ينبت على حافة النهر ومسايل الماء وليست عربية لكنها سوادية وهي في الأصل مسايل المياه فتسمية لنا بت عليها باسمها كما وقع في بعض الروايات بلفظ يؤاجرون على الماذيانات مجاز مرسل والعلاقة المجاورة أو الحالية والمحلية قوله‏:‏ ‏(‏وإقبال الجادول‏)‏ بفتح الهمزة وسكون القاف وتخفيف الموحدة أي أوائل‏.‏ والجداول السواقي جمع جدول وهو النهر الصغير قوله‏:‏ ‏(‏واشياء من الزرع‏)‏ يعني مجهول المقدار ويدل على ذلك قوله في آخر الحديث فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به قوله‏:‏ ‏(‏فيهلك‏)‏ بكسر اللام أي فربما يهلك‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏زجر عنه‏)‏ على البناء للمجهول أي نهى عنه وذلك لما فيه من الغرر المؤدي إلى التشاجر وأكل أموال الناس بالباطل قوله‏:‏ ‏(‏على الأربعاء‏)‏ جمع ربع وهو النهر الصغير كنبي وأنبياء ويجمه أيضا ربعان كصبي وصبيان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يستثنيه‏)‏ من الاستثناء كأنه يشير إلى استثناء الثلث والربع كذا قال في الفتح واستدل على أن هذا هو المراد برواية أخرى ذكرها البخاري ولكنه ينافي هذا التفسير قوله في الرواية الأولى ‏(‏فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به‏)‏ وهذا الحديث يدل على تحريم المزارعة على ما يفضي إلى الغرر والجهالة ويوجب المشاجرة وعليه تحمل الأحاديث الواردة في النهي عن المخابرة كما هو شأن حمل المطلق على المقيد ولا يصح حملها على المخابرة التي فعلها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في خيبر لما ثبت من أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم استمر عليها إلى موته واستمر على مثل ذلك جماعة من الصحابة ويؤيد هذا تصريح رافع في هذا الحديث بجواز المزارعة على شيء معلوم مضمون ولا يشكل على جواز المزارعة بجزء معلوم حديث أسيد بن ظهير الآتي فإن النهي فيه ليس بمتوجه إلى المزارعة بالنصف والثلث والربع فقط بل إلى ذلك مع اشتراط ثلاث جداول والقصارة وما يسقى الربيع ولا شك أن مجموع ذلك غير المخابرة التي أجازها صلى اللّه عليه وآله وسلم وفعلها في خيبر نعم حديث رافع عند أبي داود والنسائي وابن ماجه بلفظ ‏(‏من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها ولا يكارها بثلث ولا ربع ولا بطعام مسمي‏)‏ وكذلك حديثه أيضا عند أبي داود بإسناد فيه بكر بن عامر البجلي الكوفي وهو متكلم فيه ‏(‏قال أنه زرع أرضا فمر به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو يسقيها فسأله لمن الزرع ولمن الأرض فقال زرعي ببذري وعملي ولي الشطر ولبنى فلان الشطر فقال أربيتما فرد الأرض على أهلها وخذ نفقتك‏)‏ ومثله حديث زيد بن ثابت عند أبي داود قال ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن المخابرة قلت وما المخابرة قال أن يأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع‏)‏ فيها دليل على المنع من المخابرة بجزء معلوم ومثل هذه الأحاديث حديث أسيد الآتي على فرض أنه نهى عن المزارعة بجزء معلوم وعدم تقييده بما فيه من كلام أسيد كما سيأتي ولكنه لا سبيل إلى جعلها ناسخة لما فعله صلى اللّه عليه وآله وسلم في خيبر لموته وهو مستمر على ذلك وتقريره لجماعة من الصحابة عليه ولا سبيل إلى جعل هذه الأحاديث المشتملة على النهي منسوخة بفعله صلى اللّه عليه وآله وسلم لصدور النهي عنه في أثناء مدة معاملته ورجوع جماعة من الصحابة إلى رواية من روى النهي والجمع ما أمكن هو الواجب وقد أمكن هنا بحمل النهي على معناه المجازي وهو الكراثة ولا يشكل على هذا قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏أربيتما‏)‏ في حديث رافع المذكور وذلك بأن يقال قد وصف النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم هذه المعاملة بأنها ربا والربا حرام بالإجماع فلا يمكن الجمع بالكراهة لانا نقول الحديث لا ينتهض للاحتجاج به للمقال الذي فيه ولا سيما مع معارضته للأحاديث الصحيحة الثابتة من طرق متعددة الواردة بجواز المعاملة بجزء معلوم وكيف يصح أن يكون ذلك ربا وقد مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ومات عليه جماعة من أجلاء الصحابة بل يبعد أن يعامل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم المعاملة المكروهة وبموت عليها ولكنه ألجأنا إلى القول بذلك الجمع بين الأحاديث وهذا ما نرجحه في هذه المسألة ولا يصح الأعتذار عن الأحاديث القاضية بالجواز بأنها مختصة به صلى اللّه عليه وآله وسلم لما تقرر من أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا نهى عن شيء نهيا مختصا بالأمة وفعل ما يخالفه كان ذلك الفعل مختصا به لانا نقول أولا النهي غير مختص بالأمة وثانيا أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قرر جماعة من الصحابة على مثل معاملته في خيبر إلى عند موته‏.‏ وثالثا أنه قد استمر على ذلك بعد موته صلى اللّه عليه وآله وسلم جماعة من أجلاء الصحابة ويبعد كل البعد أن يخفى عليهم مثل هذا ومن أوضح ما استدل به على كراهة المزارعة بجزء معلوم حديث ابن عباس الآتي‏.‏

2 - وعن أسيد بن ظهير قال‏:‏ ‏(‏كان أحدنا إذا استغنى عن أرضه أو افتقر إليه أعطاها بالنصف والثلث والربع ويشترط ثلاث جداول والقصارة وما يسقى الربيع وكان يعمل فيها عملا شديدا ويصيب منها منفعة فاتانا رافع بن خديج فقال نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن أمر كان نافعا وطاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خير لكم نهاكم عن الحقل‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه والقصارة بقية الحب في السنبل بعدما يداس‏.‏

الحديث أخرجه أيضا أبو داود والنسائي بدون كلام أسيد بن ظهير ورجال إسناد الحديث رجال الصحيح‏.‏ قوله ‏(‏والقصارة‏)‏ قال في القاموس والقصارة بالضم والقصرى بالكسر والقصر والقصرة محركتين والقصرى كبشرى ما يبقى في المنخل بعد الأنتخال أو ما يخرج من القت بعد الدوسة الأولى والقشرة العليا من الحبة اه‏.‏ قوله ‏(‏عن الحقل‏)‏ بفتح الحاء المهملة واسكان القاف أصله كما قال الجوهري الحقل الزرع إذا تشعب ورقه قبل أن تغلظ سوقه فالحقل القراح الطيب يعني من الأرض الصالحة للزراعة والمحاقل مواضع الزراعة كما أن المزارع مواضعها‏.‏ وقد بين البخاري المحاقل التي نهى عنها صلى اللّه عليه وآله وسلم من رواية رافع قال فيه ‏(‏ماتصنعون بمحاقلكم قالوا نؤاجرها على الربع وعلى الأوسق من التمر والشعير قال لا تفعلوا‏)‏‏.‏

والحديث يدل على عدم جواز مطلق المزارعة ولكنه ينبغي أن يقيد بما في أوله من كلام أسيد من ضم الأشتراط المقتضي للفساد وعلى فرض عدم تقييده بذلك فيحمل على كراهة التنزيه لما أسلفنا‏)‏‏.‏

3 - وعن جابر قال‏:‏ ‏(‏كنا نخابر على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فنصيب من القصرى ومن كذا ومن كذا فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من كان له أرض فليزرعها وليحرثها أخاه وإلا فليدعها‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والقصرى القصارة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والقصرى‏)‏ قد سبق ضبطه وتفسيره‏.‏ قوله ‏(‏فليزرعها‏)‏ بفتح التحتية والراء أي بنفسه قوله‏:‏ ‏(‏أو ليحرثها‏)‏ بضم التحتية وكسر الراء أي يجعلها مزرعة لاخيه بلا عوض وذلك بأن يعيره أياها ويشهد لهذا المعنى الرواية الآتية بلفظ ‏(‏لان يمنح أحدكم أخاه‏)‏ أي يجعلها منحة له والمنحة العارية وفيه دليل على المنع من مؤاجرة الأرض مطلقا لقوله ‏(‏وإلا فليدعها‏)‏ ولكن ينبغي أن يحمل هذا المطلق على المقيد بما سلف في حديث رافع أو يكون الأمر للندب فقط لما أسلفنا ولما سيأتي وقد كره بعض العلماء تعطيل الأرض عن الزراعة لأن فيه تضييع المال وقد نهى صلى اللّه عليه وآله وسلم عن اضاعة المال وقدم في هذا الحديث زراعة الأرض من المالك بنفسه لما في ذلك من الفضيلة فإن الاشتغال بالعمل فيها والاستغناء عن الناس بما يحصل من القرب العظيمة مع ما في ذلك من الأشتغال عن الناس والتنزه عن مخالطتهم التي هي لا سيما في مثل هذا الزمان سم قاتل وشغل عن الرب جل جلاله شاغل إذا لم يكن في الاقبال على الزراعة تثبط عن شيء من الأمور الواجبة كالجهاد وقد أورد البخاري في صحيحه حديثا في فضل الزرع والغرس وترجم عليه باب فضل الزرع والغرس وروه مسلم من حديث أنس‏.‏

4 - وعن سعد بن أبي وقاص ‏(‏أن أصحاب المزارع في زمن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كانوا يكرون مزارعهم بما يكون على السواقي وما سعد بالماء مما حول النبت فجاؤا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فاختصموا في بعض ذلك فنهاهم أن يكروا بذلك وقال أكروا بالذهب والفضة‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والنسائي وما ورد من النهي المطلق عن المخابرة والمزارعة يحمل على مافيه مفسدة كما يبنته هذه الأحاديث أويحمل على اجتنابها ندبا واستحبابا فقد جاء ما يدل على ذلك فروى عمرو بن دينار قال قلت لطاوس لو تركت المخابرة فانهم يزعمون أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عنها فقال أن أعلمهم يعني ابن عباس أخبرني ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم ينه عنها وقال لان يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليها خراجا معلوما‏)‏ رواه أحمد والبخاري وابن ماجه وأبو داود‏.‏

5 - وعن ابن عباس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يحرم المزارعة ولكن أمر أن يرفق بعضهم بعض‏)‏ رواه الترمذي وصححه‏.‏

6 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من كانت له أرض فليزرعها أو ليحرثها أخاه فإن أبى فليمسك أرضه‏)‏‏.‏

أخرجاه بالإجماع تجوز الأجارة ولا تجب الأعارة فعلم أنه أراد الندب‏.‏

- حديث سعد سكت عنه أبو داود والمنذري‏.‏ قال في الفتح ورجاله ثقات الا أن محمد بن عكرمة المخزومي لم يرو عنه الا إبراهيم بن سعد‏.‏ قوله ‏(‏وما سعد‏)‏ بفتح السين وكسر العين المهملتين قيل معناه بما جاء من الماء سيحا لا يحتاج إلى ساقية وقيل معناه ما جاء من الماء من غير طلب‏.‏ وقال الأزهري والسعيد النهر مأخوذ من هذا وسواعد النهر التي تنصب إليه مأخوذة من هذا وفي رواية ما صعد بالصاد بدل السين أي ما ارتفع من النبت بالماء دون ما سفل منه قوله‏:‏ ‏(‏بالذهب والفضة‏)‏ فيه رد على طاوس حيث كره اجارة الأرض بالذهب والفضة كما روى عنه مسلم والنسائي عن طريق حماد بن زيد عن عمرو بن دينار قال كان طاوس يكره أن يؤاجر أرضه بالذهب والفضة ولا يرى بالثلث والربع بأسا فقال له مجاهدا ذهب إلى ابن رافع بن خديج فاسمع حديثه عن أبيه فقال لو أعلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عنه لم أفعله ولكن حدثني من هو أعلم منه ابن عباس فذكر الحديث الذي ذكره المصنف‏.‏ وللنسائي أيضا من طريق عبد الكريم عن مجاهد قال أخذت بيد طاوس فأدخلته إلى ابن رافع ابن خديج فحدثه عن أبيه ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن كراء الأرض فأبى طاوس وقال سمعت ابن عباس لا يرى بذلك بأسا‏)‏ وهذه الرواية عن طاوس تدل على أنه كان لا يمنع من كراء الأرض مطلقا وقد حكى صاحب الفتح عنه أنه يمنع مطلقا كما قدمنا‏.‏ واستدل بهذا الحديث من جوز كراء الأرض بالذهب والفضة وقد تقدم ذكرهم وألحقوا بهما غيرهما من الأشياء المعلومة لأنهم رأوا أن محل النهي فيما لم يكن معلوما ولا مضمونا وفي هذا الحديث أيضا رد على من منع كراء الأرض مطلقا كما تقدم‏.‏ قوله ‏(‏وما ورد من النهي‏)‏ الخ مثل حديث جابر عند أبي داود بلفظ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من اللّه ورسوله‏)‏ وحديث زيد بن ثابت عند أبي داود قال ‏(‏نهى رسول اللّه عن المخابرة‏)‏ وقد تقدم‏.‏ ومثل حديث جابر أيضا عند مسلم وأبي داود وابن ماجه بلفظ ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة‏)‏ الحديث‏.‏ ومثل حديث ثابت من الضحاك عند مسلم ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن المزارعة‏)‏ وحديث رافع عند أبي داود ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن كراء الأرض‏)‏ وأصله في الصحيحين ونحو هذه الأحاديث الواردة بالنهي على الأطلاق وقد ذكر المصنف في هذا الباب طرفا منها وأوردنا بعضا من ذلك فيما سلف وكلام المصنف هذا كلام حسن ولا بد من المصير إليه للجمع بين الأحاديث المختلفة وهو الذي رجحناه فيما سلف‏.‏ قوله ‏(‏لم ينه عنها‏)‏ هذا لا ينافي رواية من روى النهي عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم لأن المثبت مقدم على النافي ومن علم حجة على من لم يعلم ولكن قوله ‏(‏لأن يمنح أحدكم أخاه خير له‏)‏ الخ يصلح جعله قرينة لصرف النهي عن التحريم إلى الكراهة كما سلف‏.‏ وقوله ‏(‏يمنح‏)‏ بفتح التحتية وسكون الميم وفتح النون بعدها حاء مهملة ويجوز كسر النون والمراد بجعلها منيحة أي عطية وعارية كما تقدم وهكذا يدل على أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم على حقيقته ما في الرواية الثانية عن ابن عباس من أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يحرم المزارعة ولكن أمر أن يرفق بعضهم ببعض قوله‏:‏ ‏(‏فليزرعها أو ليحرثها‏)‏ قد تقدم الكلام على هذا قوله‏:‏ ‏(‏فليمسك أرضه‏)‏ قد قدمنا أن بعض العلماء كره تعطيل الأرض عن الزراعة لما ورد من النهي عن إضاعة المال وهذه الرواية والتي سلفت في حديث جابر يدلان على جواز ترك الأرض بغير زراعة وقد جمع بين الرواية القاضية بالنهي عن ذلك وبين ما هنا بحمل النهي عن الإضاعة على إضاعة عين المال أو المنفعة التي لا يخلفها منفعة والأرض إذا تركت بغير زرع لم تتعطل منفعتها فإنها تنبت من الحطب والحشيش وسائر الكلأ ما ينفع في الرعي وغيره وعلى تقدير أن لا يحصل ذلك فقد يكون التأخير للزرع عن الأرض اصلاحا لها فتخلف في السنة التي تليها ما لعله فات في سنة الترك وهذا كله ان حمل النهي على عمومه فاما لوحمل على ما كان مألوفا لهم من الكراء بجزء مما يخرج منها ولا سيما إذا كان غير معلوم فلا يستلزم ذلك تعطيل الانتفاع بها في الزراعة بل يكريها بالذهب أو الفضة كما تقرر ذلك‏.‏ قوله ‏(‏وبالاجماع تجوز الأجارة‏)‏ الخ استدل المصنف رحمه اللّه بهذا على ما ذكره من الندب لأن العارية إذا لم تكن واجبة بالإجماع من غير فرق بين المزارعة وغيرها لم يجب على الأنسان أن يزرع أرضه بنفسه أو يعيرها أو يعطلها بل يجوز له أمر رابع وهو الأجارة لأنها بالإجماع والعارية لا تجب بالإجماع فلا تجب عليه وإذا انتفى الوجوب بقي الندب‏.‏

 أبواب الإجارة

 باب ما يجوز الاستئجار عليه من النفع المباح

1 - عن عائشة في حديث الهجرة قالت ‏(‏واستأجر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبو بكر من بني الديل هاديا خريتا والخريت الماهر بالهداية وهو على دين كفار قريش وأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال فاتاهما براحلتيمها صبيحة ليال ثلاث فارتحلا‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واستأجر‏)‏ الواو ثابتة في نفس الحديث الطويل لأن هذه القصة معطوفة على قصة قبلها وقد ساقها البخاري مستوفاة في الهجرة‏.‏ قوله ‏(‏الديل‏)‏ بالكسر للدال حي من عبد القيس ذكره صاحب القاموس في مادة دول وذكر في مادة دأل أنه يطلق على قبائل وأنه يأتي بفتح الدال وبضمها وكعنب قوله‏:‏ ‏(‏خريتا‏)‏ بكسر العجمة وتشديد الراء بعدها تحتانية ساكنة بفتح الهمزة وكسر الميم المخففة ضد الخيانة قوله‏:‏ ‏(‏غار ثور‏)‏ هو الغار المذكور في التنزيل وثور جبل بمكة وليس هو الجبل الذي في المدينة المذكور في الحديث الصحيح إن المدين حرام ما بين عير إلى ثور وقد سبق الاختلاف فيه في كتاب الحج ‏(‏والحديث‏)‏ فيه دليل على جواز استئجار المسلم للكافر على هداية الطريق إذا أمن إليه وقد ذكر البخاري هذا الحديث في كتاب الاجارة وترجم عليه باب استئجار المشركين عند الضرورة وإذا لم يوجد أهل الأسلام فكأنه أراد الجمع بين هذا وبين قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏أنا لا أستعين بمشرك‏)‏ أخرجه مسلم وأصحاب السنن قال ابن بطال الفقهاء يجيزون استئجارهم يعني المشركين عند الضرورة وغيرها لما في ذلك من الذلة لهم وإ،ما الممتنع أو يؤجر المسلم نفسه من المشرك لما فيه من الإذلال‏.‏

2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏قال ما بعث اللّه نبيا إلا رعى الغنم فقال أصحابه وأنت قال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة‏)‏‏.‏

رواه أحمد الإسماعيلي وقد صوب ابن الجوزي وابن ناصر لتفسير الذي ذكره إبراهيم الحربي لكن رجح تفسير سويد بأن أهل مكة لا يعرفون بها يقال له قراريط وقد روى النسائي من حديث نصر بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها نون قال ‏(‏افتخر أهل الإبل والغنم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بعث موسى وهو راعي غنم وبعث داود وهو راعي غنم وبعثت أنا راعي غنم أهلي بجياد‏)‏ وزعم بعضهم أن في هذه الرواية ردا لتأويل سويد بن سعيد لأنه ما كان يرعى بالأجرة لأهله فيتعين أنه أراد المكان فعبر تارة بقراريط وتعقب بأنه لا مانع من الجمع وأنه كان يرعى لأهله بغير أجرة ولغيرهم بأجرة وهم المراد بقوله ‏(‏أهل مكة‏)‏‏.‏ ويؤيد تفسير سويد قوله على قراريط فإن المجيء بعلى يدل على ما قاله وينافي ذلك جعلها بمعنى الباء التي للسببية وأما جعلها بمعنى الباء التي للظرفية فبعيد‏.‏ قال العلماء الحكمة في الهام رعي الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرين برعيها على ما سيكلفونه من اقيام بأمر أمتهم لأن في مخالطتهم ما يحصل الحلم والشفقة لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفريقها في الرعي وتفريقها في الرعي ونقلها من مسرح إلى مسرح ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق وعلموا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها فجبروا كسرها وورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد لها فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام به من أول وهلة لما يحصل لهم من التدرج وبذلك وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر لإمكان ضبط الإبل والبقر دونها‏.‏

وفي الحديث دليل على جواز الإجارة على رعي الغنم ويلحق بها في الجواز غيرها من الحيوانات‏.‏

3 - وعن سويد بن قيس قال ‏(‏جلبت أنا ومخرمة العبدي بزامن هجر فأتينا به مكة فجائنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يمشي فساومنا سراويل فبعناه وثم رجل يزن بالأجر فقال له زن وأرجح‏)‏‏.‏

رواه الخمسة وصححه الترمذي وفيه دليل على أن من وكل رجلا في إعطاء شيء لآخر ولم يقدر جاز ويحمل على ما يتعارفه الناس في مثله ويشهد لذلك حديث جابر في بيعه جملة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال يا بلال إقضه وزده فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطا‏)‏‏.‏ رواه البخاري ومسلم‏.‏

4 - وعن رافع بن رفاعة قال ‏(‏نهانا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن كسب الأمة إلا ما عملت بيدها وقال هكذا بإصابعه نحو الخبز والغزل والنقش‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

حديث سويد بن قيس سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرج نحوه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي صفوان بن عمير‏.‏ وقد تقدم في كتاب اللباس وحديث رافع بن رفاعة اسناده ثقات ولكنه قال أبو القاسم الدمشقي الحافظ في افشراق عقب هذا الحديث رافع هذا غير معروف وقال غيره هو مجهول وقد أخرجه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة لكن بدون قوله ‏(‏إلا ما عملت بيدها‏)‏ الخ قوله‏:‏ ‏(‏ومخرمة‏)‏ بفتح الميم وسكون المعجمة وفتح الراء وهو حليف بني عبد شمس قوله‏:‏ ‏(‏بزا‏)‏ بفتح الباء الموحدة بعدها زاي مشددة وهو الثياب وهجر بفتح الهاء والجيم وهي مدينة قرب البحرين بينها وبينها عشر مراحل‏.‏ قوله ‏(‏سراويل‏)‏ معرب جاء على لفظ الجمع وهو واحد أشبه مالا ينصرف قوله‏:‏ ‏(‏بالأجر‏)‏ أي بالأجرة وفيه دليل على جواز الاستئجار على الوزن لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمر الوزان أن يزن ثمن السراويل‏.‏ قال أصحاب الشافعي وأجرة وزان الثمن على المشتري كما أن أجرة وازن السلعة إذا احتيج إليه على البائع قوله‏:‏ ‏(‏وأرجح‏)‏ بفتح الهمزة وكسر الجيم أي أعطه راجحا وفيه وفي حديث جابر الذي بعده دليل على استحباب ترجيح المشتري في وزن الثمن ويقاس عليه ترجيح البائع في وزن المبيع أو كيله وفيهما أيضا دليل على جواز هبة المشاع وذلك لأن مقدار الرجحان هبة منه للبائع وهو غير متميز من الثمن وفيهما أيضا جواز التوكيل في الهبة المجهولة ويحمل على ما يتعارفه الناس كما قال المصنف وقد ذكر ههنا طرفا من حديث جابر وقد تقدم طرف منه في البيع قوله‏:‏ ‏(‏عن كسب الأمة‏)‏ الكسب في الأصل مصدر تقول كسبت المال أكسبه كسبا والمراد به ههنا المكسوب وفي الموطأ عن عثمان أنه خطب فقال لا تكلفوا الأمة غير ذات الصنعة فإنكم متى ما كلفتموها ذلك كسبت بفرجها ولا تكلفوا الصغير الكسب فإنه إذا لم يجد سرق‏.‏ وفي حديث ‏(‏أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن كسب الأمة مخافة أن تبغي‏)‏ وقد كانت الجاهلية تجعل عليهن ضرائب فيوقعهن ذلك في الزنا وربما أكرهوهن عليه فلما جاء الإسلام نهى عن ذلك ونزل قوله تعالى ‏{‏ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء‏}‏ الآية قوله‏:‏ ‏(‏وقال هكذا بأصابعه‏)‏ يعني الثلاث والخبز بفتح الخاء وسكون الباء بعدها زاي يعني عجن العجين وخبزه والغزل غزل الصوف والقطن والكتان والشعر وقد روى الطبراني في الأوسط عن عائشة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا تنزلوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن الغزل وسورة النور‏)‏ وفي إسناده محمد بن إبراهيم الشامي قال الدارقطني كذاب‏.‏ وأخرج الطبراني أيضا عن هند بنت المهلب بن أبي صفرة وهي امرأة الحجاج بن يوسف ان زياد بن عبد اللّه القرشي دخل عليها وبيدها مغزل تغزل به فقال لها تغزلين وأنت امرأة أمير فقالت سمعت أمي تحدث عن جدي قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول أطولكن طاقة أعظمكن أجرا‏)‏ والمراد بالطاقة طاقة الغزل من الكتان أو القطن وفي إسناده يزيد بن مروان الخلال قال ابن معين كذاب‏.‏ قوله ‏(‏والنفش‏)‏ بفتح النون وسكون الفاء‏.‏ بعدها شين معجمة والمراد به نفش الصوف والشعر وندف القطن والصوف ونحو ذلك‏.‏ وفي رواية النقش بالقاف وهو التطريز‏.‏